أبَى غَرْبُ هَذا الدّمْعِ إلاّ تَسَرُّعَا – أبو فراس الحمداني

أبَى غَرْبُ هَذا الدّمْعِ إلاّ تَسَرُّعَا … وَمَكْنُونُ هَذا الحُبّ إلاّ تَضَوُّعَا

وكُنْتُ أرَى أني مَعَ الحَزْمِ وَاحِدٌ، … إذا شئتُ لي مَمضًى وَإن شِئتُ مَرْجِعَا

فَلَمّا استَمَرّ الحُبّ في غُلَوَائِهِ، … رَعَيتُ مَعَ المِضْيَاعَة ِ الحُبَّ ما رَعى

فَحُزْنيَ حُزْنُ الهَائِمِينَ مُبَرِّحاً، … و سريَ سرُّ العاشقينَ مضيعا

خَلِيلَيّ، لِمْ لا تَبكِياني صَبَابَة ً، … أأبْدَلْتُمَا بالأجرَعِ الفَرْدِ أجرَعَا؟

عليَّ ، لمنْ ضنتْ عليَّ جفونهُ … غَوَارِبُ دَمْعٍ يَشمَلُ الحيَ أجمَعَا

وَهَبْتُ شَبَابي، وَالشّبَابُ مَضَنَّة ٌ، … لأبلجَ منْ أبناءِ عمي ، أروعا‍

أبيتُ ، معنى ، منْ مخافة ِ عتبهِ ، … و أصبحُ ، محزوناً ، وأمسي ، مروعا‍

فَلَمّا مَضَى عَصْرُ الشّبِيبَة ِ كُلّهُ، … وَفَارَقَني شَرْخُ الشّبَابِ، مُوَدِّعَا

تَطَلّبْتُ بَينَ الهَجرِ وَالعَتْبِ فُرْجَة ً، … فحاولتُ أمراً ، لا يرامُ ، ممنعا

وَصِرْتُ إذا مَا رُمْتُ في الخَيرِ لَذّة ً … تَتَبّعتُهَا بَينَ الهُمُومِ، تَتَبُّعَا

وَهَا أنَا قد حَلَّى الزّمَانُ مَفَارِقي، … و توجني بالشيبِ تاجاً مرصعا

فلوْ أنني مكنتُ مما أريدهُ … منَ العيشِ ، يوماً ، لمْ يجدْ فيَّ موضعا ‍

أما ليلة ٌ تمضي ولا بعضُ ليلة ٍ … أسُرّ بهَا هذا الفُؤادَ المُفَجَّعَا؟

أمَا صَاحِبٌ فَرْدٌ يَدُومُ وَفَاؤهُ … فيُصْفي لمن أصْفى وَيَرْعى لمنْ رَعى ؟

أفي كُلّ دارٍ لي صَدِيقٌ أوَدُّهُ، … إذَا مَا تَفَرّقْنَا حِفِظْتُ وَضَيّعَا؟

أقمتُ بأرضٍِ الرومِ ، عامينِ ، لا أرى … منَ الناسِ محزوناً ولا متصنعا

إذا خِفتُ مِنْ أخوَاليَ الرّومِ خُطّة ً … تخوفتُ منْ أعمامي العربِ أربعا

و إن أوجعتني منْ أعاديَّ شيمة ٌ … لَقِيتُ مِنَ الأحبَابِ أدْهَى وَأوْجعَا

ولوْ قدْ رجوتُ اللهَ لا شيءَ غيرهُ … رَجَعْتُ إلى أعْلى وَأمّلْتُ أوْسَعَا

لَقد قَنِعُوا بَعدي من القَطرِ بالنّدى ، … و منْ لمْ يجدْ إلاَّ القنوعَ تقنعا

و ما مرَّ إنسانٌ فأخلفَ مثلهُ ؛ … ولكنْ يزجي الناسُ أمراً موقعا

تنكرَّ “سيف الدين” لما عتبتهُ ، … وَعَرّضَ بي، تحتَ الكلامِ، وَقَرّعَا

فَقُولا لَهُ: مِنْ أصْدَقِ الوُدّ أنّني … جعلتكَ مما رابني ، الدهرَ مفزعا

و لوْ أنني أكننتهُ في جوانحي … لأوْرَقَ مَا بَينَ الضّلُوعِ وَفَرّعَا

فلاَ تغترر بالناسِ، ما كلُّ منْ ترى … أخُوكَ إذا أوْضَعتَ في الأمرِ أوْضَعَا

وَلا تَتَقَلّدْ مَا يَرُوعُكَ حَلْيُهُ … تقلدْ ، إذا حاربتَ ، ما كانَ أقطعا‍

وَلا تَقْبَلَنّ القَوْلَ من كلّ قائِلٍ … سأرضيكَ مرأى لستُ أرضيكَ مسمعا

… و للهِ صنعُ قدْ كفاني التصنعا

أراني طريقَ المكرماتِ ، كما أرى ، … عَلِيٌّ وَأسْمَاني على كُلّ مَنْ سعَى

فإنَّ يكُ بطءٌ مرة ً فلطالما … تَعَجّلَ، نحْوِي، بالجَميلِ وَأسْرَعَا

و إنْ يحفُ في بعضِ الأمورِ فانني … لأشكرهُ النعمى التي كانَ أودعا

و إنْ يستجدَّ الناسَ بعدي فلمْ يزلْ … بذاكَ البديلِ ، المستجدِّ ، ممتعا ‍