أبي الله إلا أن يدين لنا الدهر – أسامة بن منقذ

أبي الله إلا أن يدين لنا الدهر … ويخدمنا في ملكنا العز والنصر

أبي الله إلا أن يكون لنا الأمر … لِتحيَا بنا الدُّنيا، ويفتخرَ العصرُ

وتخدُمَنا الأيّامُ فيما نَرُومُهُ … وينقادَ طوعاً في أزِمَّتنا الدّهرُ

وتخضع أعناق الملوك لعزنا … ويُرهِبَها منّا على بُعدنا الذِّكرُ

بحيثُ حَلْلنا الأمنُ من كلِّ حادثٍ … وفي سائر الآفاق من بأسنا ذعر

بطاعتِنا للّه أصبحَ طوعَنا الأ … نامُ، فما يُعصَى لنا فيهمُ أمرُ

فأيماننا في السلم سحب مواهب … وفي الحَربِ سُحبٌ وبْلُهنَّ دمٌ هَمرُ

قَضتْ في بني الدُّنيا قضاءَ زمانِها … فَسُرَّ بها شطرٌ، وسِىء بها شَطرُ

وما في ملوكِ المسلمينَ مُجاهدٌ … سوانا فما يثنيه حر ولا قر

جعلَنا الجهادَ همَّنا واشتغالَنا … ولم يلهنا عنه السماع ولا الخمر

دماء العدا أشهى من الراح عندنا … ووقع المواضي فيهم الناي والوتر

نُواصِلُهم وصلَ الحبيب وهم عِداً … زيارتُهم ينحطَ عنَّا بها الوزرُ

وثير حشايانا السروج وقمصنا الد … روع ومنصوب الخيام لنا قصر

ترى الأرض مثل الأفق وهي نجومه … وإن حسدتها عزها الأنجم الزهر

وهمُّ الملوكِ البيضُ والسُّمُر كالدُّمَى … وهمتنا البيض الصوارم والسمر

صوارمنا حمر المضارب من دم … قوائِمُها من جُودنا نَضرة ٌ خُضرُ

نسيرُ إلى الأعداءِ والطّيرُ فوقَنا … لهَا القوتُ من أعدائِنَا، ولنا النَّصرُ

فبأس يذوب الصخر من حر ناره … ولُطفٌ له بالماءِ ينبجسُ الصَّخرُ

وجيش إذا لاقى العدو ظننتهم … أسود الشرى عنت لها الأدم والعفر

تَرى كلَّ شَهمٍ في الوغَى مثلَ سَهْمِه … نفوذاً فما يثنيه خوف ولا كثر

هم الأسد من بيض الصوارم والقنا … لهُم في الوغَى النّابُ الحديدة ُ والظُّفرُ

يرَوْن لهم في القتلِ خُلداً، فكيف باللـ … ـقاءِ لقومٍ قتلهُم عندهم عُمْرُ

إذا نُسبوا كانُوا جميعاً بني أَبٍ … فطعنهم شزر وضربهم هبر

يظنُّون أنّ الكفرَ عصيانُ أمرِنَا … فما عندهم يوماً لإنعامنا كفر

لَنَا مِنهمُ إقدامُهُم وولاؤُهمْ … ومنَّا لهم إكرامُم والنَّدى الغَمرُ

بِنا أُيِّد الإسلامُ، وازدادَ عزّة ً … وذل لنا من بعد عزته الكفر

قتلنَا البِرنْسَ، حِينَ سارَ بجهله … تَحفُّ به الفُرسانُ والعَسكر المجرُ

ولم يَبق إلاَّ مَن أَسْرنا، وكيفَ بالبـ … ـقَاءِ لمن أخْنَتْ عليه الظُّبا البُترُ

وفي سجننا ابن الفنش خير ملوكهم … وإن لم يكن خير لديهم ولا بر

كأفعالِنَا في أرضِ من حانَ منهُمُ … وقد قُتِلت فرسانُه فهمُ جُزر

وسلْ عنهُم الوادِي بإقلِيس إنَّه … إلى اليومِ فيه من دمائِهمُ غُدرُ

هم انتَشروا فيه لردّ رَعِيلنا … فمن تربه يوم المعاد لهم نشر

ونحنُ أسرنا الجوسَلِين ولم يكُن … ليخْشَى من الأيَّامِ نائِبة ً تَعْرُو

وكان يظن الغر أنا نبيعه … بمَالٍ، وكم ظَنٍّ به يهِلُك الغِرُّ

فلما استبحنا ملكه وبلاده … ولم يبَق مالٌ يُستباحُ ولا ثَغْرُ

كَحلناهُ، نبغى الأجرَ في فِعلِنا بهِ … وفي مثلِ ما قَد نَالَه يُحرز الأجرُ

ونحن كسرنا البغدوين وما لمن … كَسرنَاه إبلالٌ يُرجَّى ولا جَبْرُ

… له الغَدرُ دِينٌ: ما به صنَع الغَدرُ

وقد ضاقت الدنيا عليه برحبها … فلم ينجه بر ولم يحمه بحر

أفى غدره بالخيل بعد يمينه … بإنجيلِه بين الأَنامِ له عُذْرُ

دعته إلى نكث اليمين وغدره … بذمَّتِه النَّفسُ الخسيسة ُ والمكْرُ

وقد كانَ لونُ الخيل شتَّى فأصبحَت … تُعادُ إلينَا، وهي من دَمهِم شُقْرُ

توهَّم عجزاً حِلمَنا وأناتَنَا … وما العجز إلا ما أتى الجاهل الغمر

فلما تمادى غيه وضلاله … ولم يثنه عن جهله النهي والزجر

برزْنَا له كالليِثْ فَارقَ غِيلَه … وعادَتُه كسرُ الفرائس والهَصْرُ

وسِرنا إليه حين هابَ لقاءَنا … وبان له من بأسنا البؤس والشر

فولّى يُبارى عائراتِ سِهَامِنَا … وفي سمعه من وقع أسيافنا وقر

وخلَّى لنا فُرسانَه وحُماتَه … فشطر له قتل وشطر له أسر

وما تنثني عنه أعنة خيلنا … ولو طار في أفق السماء به النسر

إلى أن يزور الجوسلين مساهماً … له في دياج ما لليلتها فجر

ونرتَجِعَ القدسَ المُطهَّر مِنهُم … ويتلى بإذن الله في الصخرة الذكر

… فلم يبق منها في ممالكهم شبر

إذا استَغْلقتْ شمُّ الحصونِ فعندنَا … مَفاتحُها: بيضٌ، مضاربُها حُمرُ

وإنْ بلدٌ عزَّ الملوكَ مَرامُه … ورُمناهُ، ذلَّ الصّعبُ واستُسهِلَ الوعرُ

وأضحى عليه للسهام وللظبا … ووقع المذاكي الرعد والبرق والقطر

بنَا استَرجَع اللْهُ البلادَ وأمَّن العـ … ـبادَ، فلا خَوفٌ عليهم ولا قَهرُ

فتَحنا الرُّهَا حين استباحَ عداتُنا … حماها وسنى ملكها لهم الختر

جعلْنَا طُلى الفُرسان أغمادَ بِيِضنا … وملَّكنَا أبكارَها الفتكة ُ البكر

وتلُّ عِزَازٍ، صبّحتهُ جُيوشُنَا … وقد عجزت عنه الأكاسرة الغر

أتَى ساكنُوها بِالمفاتيحِ طاعَة ً … إلينا ومسراهم إلى بابنا شهر

وما كلُّ مَلْكٍ قادِرٍ ذو مَهابة ٍ … ولا كل ساع يستتب له الأمر

… فلم تَحمِه عنَّا الرّجالُ ولا الجُدُر

ومِلْنا إلى بُرج الرَّصاصِ وإنَّه … لكاسد لكن الرصاص له قطر

وأضحت لأنطاكية حارم شجى ً … وفيها لهَا والسَّاكِنينَ بها حَصرُ

وحصن كفر لاتا وهاب تدانيا … لَنَا، وذُراها للأَنُوقِ به وَكرُ

وفي حِصن باسُوطَا وقَورَصَ ذَلَّتِ الصّـ … ـعابُ لنا، والنّصرُ يقدمُهُ الصبرُ

وفامية والبارة استنقذتهما … لنا همَّة ٌ من دونها الفَرعُ والغَفرُ

وحصن بسرفود وأنب سهلت … لنَا، واستحالَ العُسرُ، وهو لنَا يُسرُ

وفي تل عمار وفي تل خالد … وفي حِصْن سلقينٍ لمملَكة ٍ قصرُ

وما مثل راوندان حصن وإنه … لمَمتنعٌ، لو لم يسهل له القَسرُ

وكم مثلِ هذا من قلاعٍ ومن قرًى … ومُزدَرَعَاتٍ لا يحيطُ بها الحصرُ

فلما استعدناها من الكفر عنوة ً … ولم يَبقَ في أقطارِهَا لهمُ أَثْرُ

رددنا على أهل الشآم رباعهم … وأملاكَهُم، فانزاحَ عنهم بها الفَقرُ

وجاءتهم من بعد يأس وفاقة … وقد مسَّهُم من فقدها البؤْسُ والضُّرُّ

ومرَ عليها الدَّهرُ، والكُفرُ حاكِمٌ … عليها، وعمرٌ مرَّ من بعدِه عُمْرُ

فنالهُم من عَوْدِها الخيرُ والغنَى … كما نالنا من ردها الأجر والشكر

ونحنُ وضعنا المكْسَ عن كلِّ بلدة ٍ … فأصبح مسروراً بمتجره السفر

وأصبحت الآفاق من عدلنا حمى ً … فكُدر قَطاها لا يُروّعها صَقرُ

فكيف تُسامِينَا الملوكُ إلى العُلا … وعزمهم سر ووقعاتنا جهر

وإن وَعدُوا بالغزوِ نَظماً، فهذه … رؤوس أعاديهم بأسيافنا نثر

سنلقى العدا عنهم ببيض صقالها … هداياهم والبتر يرهفها البتر

وما قولُنا عن حاجة ٍ، بل يسوءُنا … إذا لم يكن في غزونا لهم أجر

خزائنُنَا ملأَى ، ومَا هِي ذُخرُنا المُـ … ـعَدُّ، ولكنَّ الثوابَ هو الُّذخْرُ

ملكنا الذي لم تَحوِهِ كفُّ مالِكٍ … ولم يَعرُنَا تِيهُ الملوكِ ولا الكبرُ

فنحن ملوك البأس والجود سوقة التـ … ـواضع لا بذخ لدينا ولا فخر

عزَفنا عنِ الدُّنيا، على وجدِهَا بِنَا … فمنها لنا وصلٌ، ومنّا لها هَجرُ

وأحسن شيء في الدنا زهد قادر … عليها فما يصبيه ملك ولا وفر

ولولا سؤال الله عن خلقه الذي … رعيناهم حفظاً إذا ضمنا الحشر

لمَلْنَا عن الُّدنيا، وقِلنا لها: اغربي … لك الهجر منا ما تمادى بنا العمر

فما خير ملك أنت عنه محاسب … ومملكة ٍ، من بعدها الموتُ والقبرُ

فقل لملوك الأرض: ما الفخر في الذي … تعدونه من فعلكم بل كذا الفخر

كلمات: خالد الفيصل

ألحان: طلال مداح