أبا العباس ما هذا التَّواني – ابن الرومي
أبا العباس ما هذا التَّواني … وقد أُوسِعْتَ مَنْ كَرمٍ وفَهْمِ
أتقْلِبُ ذا مُحافظة ٍ عَدُوّاً … لعمرُو أبيك ما هذا بحزْم
عزمْتَ ندًى فما أمضيْتَ عزماً … وكنتَ مُشهَّراً بمضاءِ عزمِ
قصدْتُكَ راجياً واليأْسُ رَجْمٌ … فلم تَتْركْ رجاءً غيرَ رَجْم
وواتَرْتُ السؤالَ فلم تُجِبْني … كأنِّي سائلٌ آياتِ رسم
أما والله ما هذا بحقِّي … عليك إذا شجيتَ بِظُلْم خَصْم
زأرْتُ على عَدُوِّكَ غيرَ وانٍ … وأتبعتُ الزئيرَ له بكَلْم
فما أخْلَيْتُهُ من نَهْشٍ لحم … ولا أخليتُه من حَطْمٍ عظْم
وخِفْتُ عليكَ عادية َ اللَّيالي … فبتُّ الليلَ أرقبُ كُلَّ نجم
حراسة ليثِ صدقٍ لا يُبالي … بسيفٍ في الحفاظِ ولا بسهم
فما كافأْتني إلاَّ بجوع … كأني كنتُ عندك كلبَ طَسْم
إليكَ إليكَ من وسَم القوافي … إليك فإنهُ من شرِّ وَسْم
ولم أخش الهجاء عليكَ لكنْ … خشيتُ المدحَ من نَثْرٍ ونظم
ومن تَحْرِمْهُ رِفدكَ بعد مَدْح … فحسبُكَ مدْحُه من كلِّ شتم
أليسَ يقالُ قيلَ له فأكْدَى … فتُصبِحُ والذي تُهجَى بِرَقْم
أتَرْضَى ان تروحَ وفضلُ مِثْلي … عليكَ وليسَ فضلُكَ غيرَ وهْم
لئن خيَّبْتني ورفَدْتَ غيري … لقد صدَّقْتَ قولَ جَهْم
ألا لا فِعْلُ حيٍّ باختيار … متى خيَّبْتني لكنْ بحتم
أتَلْقى وجْهَ مسْبوقٍ بمَسْح … وتلقى وجهَ سبَّاقٍ بلَطْمِ
لقد أضحتْ عقولُ النَّاسِ باختْ … بما فيهنَّ من عَيْبٍ ووَصْم
وكم مِنْ قائلٍ لي في مُسِيءٍ … لقد فخَّمْتَ منهُ غيرَ فَخْمِ
فقلت بنَيْتُ مأثُرة ً بِشعْرِي … فلا تعرِض لمأثُرَتي بهدم
ودعْ ذمَّ المُسيء فما مُسِيءٌ … رأى غبَّ الإساءة ِ غيرَ وخْم
عفوتُ فلا أقابِلُهُ بِلَوْم … وإنْ أوسِعْتُ من لوم وعدْم
وما عَفْوي لشيْء غيرَ أنِّي … أرى لحمَ اللئيمَ أغثَّ لحم