أبابلُ رَأى َ العينِ أم هذهِ مِصرُ – محمود سامي البارودي
أبابلُ رَأى َ العينِ أم هذهِ مِصرُ … فإنِّى أرى فيها عيوناً هى َ السِحرُ
نَوَاعِس أَيْقَظْنَ الْهَوَى بِلَوَاحِظٍ … تَدِينُ لَهَا بِالْفَتْكَة ِ الْبِيضُ وَالسُّمْرُ
فليسَ لعقلٍ دونَ سُلطانِها حِمى ً … ولا لفؤادٍ دونَ غِشيانِها سِترُ
فَإِنْ يَكُ مُوسى أَبْطَلَ السِّحْرَ مَرَّة ً … فذلِكَ عصرُ المعجِزاتِ ، وذا عصرُ
فَأَيُّ فُؤادٍ لاَ يَذُوبُ صَبَابَة ً … وَمُزْنَة ٍ عَيْنٍ لاَ يَصُوبُ لَهَا قَطْرُ؟
بِنفسى وإن عَزَّت على َّ ربيبة ٌ … مِنَ العينِ فى أجفانِ مُقلتِها فَترُ
فَتَاة ٌ يَرِفُّ الْبَدْرُ تَحْتَ قِناعِها … وَيَخْطِرُ في أَبْرَادِهَا الْغُصُنُ النَّضْرُ
تُرِيكَ جُمانَ الْقَطْرِ في أُقْحُوَانَة ٍ … مُفَلَّجَة ِ الأَطْرَافِ، قِيلَ لَهَا ثَغْرُ
تَدِينُ لِعَيْنَيْهَا سَوَاحِرُ «بَابِلٍ» … وتسكرُ من صَهباءِ ريقتها الخَمرُ
فيا ربَّة َ الخِدرِ الَّذى حالَ دونَهُ … ضَراغِمُ حربٍ ، غابَها الأَسَلُ السُمرُ
أَمَا مِنْ وِصَالٍ أَسْتَعِيدُ بِأُنْسِهِ … نَضَارَة َ عَيْشٍ كَانَ أَفْسَدَهُ الْهَجْرُ؟
رضيتُ منَ الدُّنيا بِحبِّكَ عالماً … بِأنَّ جُنُونِي في هَوَاكِ هُوَ الْفَخْرُ
فلا تَحسبى شوقى فُكاهة َ مازحٍ … فما هُوَ إلاَّ الجمرُ، أو دونهُ الجمرُ
هوى ً كضميرِ الزندِ ، لو أنَّ مَدمعى … تَأَخَّرَ عَنْ سُقْيَاهُ لاَحْتَرَقَ الصَّدْرُ
إِذَا مَا أَتَيْتُ الْحَيَّ فَارَتْ بِغَيْظِها … قُلُوبُ رِجَالٍ حَشْوُ آماقِها الْغَدْرُ
يَظُنُّونَ بِي شَرّاً، وَلَسْتُ بِأَهْلِهِ … وظَنُّ الفتى مِن غيرِ بيِّنة ٍ وِزرُ
وماذا عليهِم إن ترنَّمَ شاعِرٌ … بِقَافِيَة ٍ لاَ عَيْبَ فِيها، وَلاَ نُكْرُ؟
أفى الحقِّ أن تبكِى الحمائمُ شَجوها … ويُبلى فلا يبكِى على نَفسهِ حُرُّ ؟
وأى ُّ نَكيرٍ فى هوًى شبَّ وقدهُ … بِقَلْبِ أَخِي شَوْقٍ فَبَاحَ بِهِ الشِّعْرُ؟
فَلا يَبْتَدِرْنِي بِالْمَلاَمَة ِ عَاذِلٌ … فإنَّ الهوى فيهِ لمُعتذرٍ عُذرُ
إذا لم يَكن لِلحُبِّ فضلٌ على النُّهى … لما ذَلَّ حَى ٌّ لَلهوى ولَهُ قَدرُ
وَكَيْفَ أَسُومُ الْقَلْبَ صَبْراً عَلَى الْهوى … وَلَمْ يَبْقَ لِي فِي الْحُبِّ قلْبٌ وَلا صَبْرُ؟
لِيهنَ الهوى أنِّى خضَعتُ لِحُكمهِ … وَإِنْ كَانَ لِي فِي غَيْرِهِ النَّهْيُ والأَمْرُ
وإنِّى امرؤٌ تأبى لى الضَّيمَ صولة ٌ … مَوَاقِعُهَا فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ حُمْرُ
أَبِيٌّ عَلَى الْحِدْثَانِ، لاَ يَسْتَفِزُّنِي … عَظيمٌ ، ولا يأوى إلى ساحتى ذعرُ
إذا صُلتُ صالَ الموتُ مِن وكراتهِ … وإن قُلتُ أرخى مِن أعنَّتهِ الشِعرُ