أأخشاهُ جفناً ما تُسَلُّ قواضِبُهُ – مصطفى صادق الرافعي

أأخشاهُ جفناً ما تُسَلُّ قواضِبُهُ … وحدُّ حسامي ما تُفَلُّ مضاربهْ

فأين يدي هاتيكَ والسيفُ في يدي … وما لفؤادي أنكرتهُ جوانبهْ

وما لي كأنَ الكهرباءُ تمسني … إذا لاحَ ذاكَ البدرُ أو نم حاجبهْ

أروني فؤادي كيفَ صدعهُ الأسى … وكيفَ تولاهُ الهوى ومصائبهْ

إذا كانَ قلبي لا يصاحبُ همتي … فما هو لي قلبٌ ولا أنا صاحبهْ

ركبتُ لحيني في الترامِ عشيةً … أرى الفلكَ الدوارَ لاحتْ كواكبهْ

وأحسبهُ قلباً يجاذبهُ الهوى … فينقادُ لا يدري بما هو جاذبهْ

فلاحتْ لعيني من زواياهُ غادةٌ … هي البدرُ لكنْ أطلعتْهُ مغاربهْ

تبسمُ أحياناً وتعبسُ تارةً … كما يخدعُ الواهي القوى من يحاربهْ

وقد كتبتُ فوقَ المحاجرِ آيةً … يطالعُ فيها الحبُ من لا تخاطبهْ

فلما رآها القلبُ آمنَ واغتدى … يكاتبها في أضلعي وتكاتبهْ

فما أنا إلا والهوى يستفزني … إلى حيثُ سلطان الهوى عزَّ جانبهْ

فقمتُ قيامَ الليثِ فارقَ غيلهُ … وقد حُطِّمتْ أنياهُ ومخالبهْ

وسلمتُ تسليمَ البشاشةِ والهوى … تدبُّ على أطرافِ قلبي عقاربهْ

فأغضتْ حياءً ثمَّ عادتْ فسلمتْ … ومن بعدِ كدرِ الماءِ تصفو مشاربهُ

فللّهِ ما أحلى حديثاً سمعتهُ … كأني يتيمٌ لاطفتهُ أقاربهْ

هو الخمرُ لولا طعمها وخمارُها … هو السحرُ لولا ذمَّهُ ومعائبُهُ

فقلتُ عرفتُ الحبَّ واللهِ أنهُ … مطالبُ قلبٍ لا تُحَدُّ مطالبهْ

فقالتْ بلى إن شئتَ زدتُكَ أنهُ … نوائبُ دهرٍ لا تُعَدُّ نوائبهْ

فكاشفتها مابي غراماً مبرحاً … يغالبني فيهِ النُّهى وأغالبهْ

وقلتُ ارى ذا القلبِ جُنَّ جنونهُ … وإلا فماذا في ضلوعي يواثبهْ

فهزتْ قواماً كالرديني مشرعاً … وحينَ أحسُّ الشعرَ ماجتْ كتائبهْ

وأعجَبَها ما قلتهُ فتَضَاحكَتْ … كأني طفلٌ في يديها تلاعبهْ

وقد كانَ صدري أطفأ اليأسَ نورهُ … فأصبحَ مثلَ الليلِ طارتْ غياهِبهْ

وقالتْ أخافُ الناسَ فالناسُ في الهوى … لئيمٌ نداري أو عذولٌ نراقبهْ

وعادتْ تروعُ القلبَ لم تدرِ أنني … شديدُ مناطِ القلبِ صلبٌ ترائبهْ

ولما رأتني هائماً غيرَ هائبٍ … سواها وقدماً ضيعَ الصيدُ هائبُهْ

تولتْ وقالتْ تلكَ عاقبةُ الهوى … وبعدَ صدورِ الأمرِ تأتي عواقبهْ

فغادرتْ قلبي في الترامواي وحدهُ … ينادي ولكنْ من عساهُ يجاوبهْ

وعشتُ بلا قلبٍ وعفتُ هوى الدُّمى … ولا يردعِ الإنسانَ إلا تجاربهْ